مدارج السالكين
*مدارج السالكين*
*منزلة التوبة* ٨
يقول ابن القيم رحمه الله:
ويحكى عن بعض العارفين ، أنه قال :
دخلت على الله من أبواب الطاعات كلها ، فما دخلت من باب إلا رأيت عليه الزحام ، فلم أتمكن من الدخول ، حتى جئت باب الذل والافتقار ، فإذا هو أقرب باب إليه وأوسعه ، ولا مزاحم فيه ولا معوق ، فما هو إلا أن وضعت قدمي في عتبته ، فإذا هو سبحانه قد أخذ بيدي وأدخلني عليه .
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه يقول : من أراد السعادة الأبدية ، فليلزم عتبة العبودية .
وقال بعض العارفين :
لا طريق أقرب إلى الله من العبودية ، ولا حجاب أغلظ من الدعوى ، ولا ينفع مع الإعجاب والكبر عمل واجتهاد ، ولا يضر مع الذل والافتقار بطالة ، يعني بعد فعل الفرائض .
والقصد : أن هذه الذلة والكسرة الخاصة تدخله على الله ، وترميه على طريق المحبة ، فيفتح له منها باب لا يفتح له من غير هذه الطريق ، وإن كانت طرق سائر الأعمال والطاعات تفتح للعبد أبوابا من المحبة ، لكن الذي يفتح منها من طريق الذل والانكسار والافتقار وازدراء النفس ، ورؤيتها بعين الضعف والعجز والعيب والنقص والذم ، بحيث يشاهدها ضيعة وعجزا ، وتفريطا وذنبا وخطيئة ، نوع آخر وفتح آخر ،
والسالك بهذه الطريق غريب في الناس ، وهم في واد وهو في واد ، وهي تسمى طريق الطير ، يسبق النائم فيها على فراشه السعاة ، فيصبح وقد قطع الطريق ، وسبق الركب . بينا هو يحدثك ، إذا به قد سبق الطرف وفات السعاة ، فالله المستعان ، وهو خير الغافرين .
وهذا الذي حصل له من آثار محبة الله له ، وفرحه بتوبة عبده ، فإنه سبحانه يحب التوابين ، ويفرح بتوبتهم أعظم فرح وأكمله .
فكلما طالع العبد من ربه سبحانه عليه قبل الذنب ، وفي حال مواقعته ، وبعده ، بره به وحلمه عنه ، وإحسانه إليه هاجت من قلبه لواعج محبته والشوق إلى لقائه ، فإن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها ، وأي إحسان أعظم من إحسان من يبارزه العبد بالمعاصي ، وهو يمده بنعمه ، ويعامله بألطافه ، ويسبل عليه ستره ، ويحفظه من خطفات أعدائه المترقبين له أدنى عثرة ينالون منه بها بغيتهم ، ويردهم عنه ، ويحول بينهم وبينه ؟
وهو في ذلك كله بعينه ، يراه ويطلع عليه ، فالسماء تستأذن ربها أن تحصبه ، والأرض تستأذنه أن تخسف به ، والبحر يستأذنه أن يغرقه ،
كما في مسند الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما من يوم إلا والبحر يستأذن ربه أن يغرق ابن آدم ، والملائكة تستأذنه أن تعاجله وتهلكه ،
والرب تعالى يقول :
دعوا عبدي ،
فأنا أعلم به ، إذ أنشأته من الأرض ،
إن كان عبدكم فشأنكم به ، وإن كان عبدي فمني وإليّ ،
عبدي وعزتي وجلالي إن أتاني ليلا قبلته ، وإن أتاني نهارا قبلته ،
وإن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا ، وإن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا ،
وإن مشى إلي هرولت إليه ،
وإن استغفرني غفرت له ،
وإن استقالني أقلته ،
وإن تاب إلي تبت عليه ،
مَن أعظم مني جودا وكرما ، وأنا الجواد الكريم ؟
عبيدي يبيتون يبارزونني بالعظائم ، وأنا أكلؤهم في مضاجعهم ، وأحرسهم على فرشهم ،
مَن أقبل إلي تلقيته من بعيد ،
ومن ترك لأجلي أعطيته فوق المزيد ،
ومن تصرف بحولي وقوتي ألنت له الحديد ،
ومن أراد مرادي أردت ما يريد ،
أهل ذكري أهل مجالستي ،
وأهل شكري أهل زيادتي ،
وأهل طاعتي أهل كرامتي ،
وأهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي ،
إن تابوا إلي فأنا حبيبهم ،
وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب ، لأطهرهم من المعايب .
مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين
*منزلة التوبة* ٨
يقول ابن القيم رحمه الله:
ويحكى عن بعض العارفين ، أنه قال :
دخلت على الله من أبواب الطاعات كلها ، فما دخلت من باب إلا رأيت عليه الزحام ، فلم أتمكن من الدخول ، حتى جئت باب الذل والافتقار ، فإذا هو أقرب باب إليه وأوسعه ، ولا مزاحم فيه ولا معوق ، فما هو إلا أن وضعت قدمي في عتبته ، فإذا هو سبحانه قد أخذ بيدي وأدخلني عليه .
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه يقول : من أراد السعادة الأبدية ، فليلزم عتبة العبودية .
وقال بعض العارفين :
لا طريق أقرب إلى الله من العبودية ، ولا حجاب أغلظ من الدعوى ، ولا ينفع مع الإعجاب والكبر عمل واجتهاد ، ولا يضر مع الذل والافتقار بطالة ، يعني بعد فعل الفرائض .
والقصد : أن هذه الذلة والكسرة الخاصة تدخله على الله ، وترميه على طريق المحبة ، فيفتح له منها باب لا يفتح له من غير هذه الطريق ، وإن كانت طرق سائر الأعمال والطاعات تفتح للعبد أبوابا من المحبة ، لكن الذي يفتح منها من طريق الذل والانكسار والافتقار وازدراء النفس ، ورؤيتها بعين الضعف والعجز والعيب والنقص والذم ، بحيث يشاهدها ضيعة وعجزا ، وتفريطا وذنبا وخطيئة ، نوع آخر وفتح آخر ،
والسالك بهذه الطريق غريب في الناس ، وهم في واد وهو في واد ، وهي تسمى طريق الطير ، يسبق النائم فيها على فراشه السعاة ، فيصبح وقد قطع الطريق ، وسبق الركب . بينا هو يحدثك ، إذا به قد سبق الطرف وفات السعاة ، فالله المستعان ، وهو خير الغافرين .
وهذا الذي حصل له من آثار محبة الله له ، وفرحه بتوبة عبده ، فإنه سبحانه يحب التوابين ، ويفرح بتوبتهم أعظم فرح وأكمله .
فكلما طالع العبد من ربه سبحانه عليه قبل الذنب ، وفي حال مواقعته ، وبعده ، بره به وحلمه عنه ، وإحسانه إليه هاجت من قلبه لواعج محبته والشوق إلى لقائه ، فإن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها ، وأي إحسان أعظم من إحسان من يبارزه العبد بالمعاصي ، وهو يمده بنعمه ، ويعامله بألطافه ، ويسبل عليه ستره ، ويحفظه من خطفات أعدائه المترقبين له أدنى عثرة ينالون منه بها بغيتهم ، ويردهم عنه ، ويحول بينهم وبينه ؟
وهو في ذلك كله بعينه ، يراه ويطلع عليه ، فالسماء تستأذن ربها أن تحصبه ، والأرض تستأذنه أن تخسف به ، والبحر يستأذنه أن يغرقه ،
كما في مسند الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما من يوم إلا والبحر يستأذن ربه أن يغرق ابن آدم ، والملائكة تستأذنه أن تعاجله وتهلكه ،
والرب تعالى يقول :
دعوا عبدي ،
فأنا أعلم به ، إذ أنشأته من الأرض ،
إن كان عبدكم فشأنكم به ، وإن كان عبدي فمني وإليّ ،
عبدي وعزتي وجلالي إن أتاني ليلا قبلته ، وإن أتاني نهارا قبلته ،
وإن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا ، وإن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا ،
وإن مشى إلي هرولت إليه ،
وإن استغفرني غفرت له ،
وإن استقالني أقلته ،
وإن تاب إلي تبت عليه ،
مَن أعظم مني جودا وكرما ، وأنا الجواد الكريم ؟
عبيدي يبيتون يبارزونني بالعظائم ، وأنا أكلؤهم في مضاجعهم ، وأحرسهم على فرشهم ،
مَن أقبل إلي تلقيته من بعيد ،
ومن ترك لأجلي أعطيته فوق المزيد ،
ومن تصرف بحولي وقوتي ألنت له الحديد ،
ومن أراد مرادي أردت ما يريد ،
أهل ذكري أهل مجالستي ،
وأهل شكري أهل زيادتي ،
وأهل طاعتي أهل كرامتي ،
وأهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي ،
إن تابوا إلي فأنا حبيبهم ،
وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب ، لأطهرهم من المعايب .
مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين
تعليقات
إرسال تعليق